أكد باحث الوبائيات وإستشاري الميكروبيولوجيا الطبية بجامعة الباحة الدكتور محمد بن عبدالله آل قمبر، أن «الجرب» مرض معد وليس خطير، ولكن هناك إحتمالية إصابة الآلاف من سكان مكة المكرمة بالجرب خلال بضعة أشهر.
مؤكدًا عدم صوابية تشبيه «الجرب» ب«الإنفلونزا»، لأن الجرب يسببه كائن مجهري من المفصليات كالعنكبوت، يسمى «القارمة الجربية»، بينما سبب الزكام فيروسات، كما أن الزكام لا يبقى غالباً مزمناً عند المصابين بل يشفى تلقائيا، وبدون دواء في الغالبية العظمى من حالاته، بينما يمكن أن يبقى المصاب بالجرب يعاني من الحكة الجلدية الشديدة، وإلتهابات ناتجة عن هذه الحكة بالجلد، مما يسبب الإعاقة، بشكل مزمن ويستمر لسنوات طويلة. ويمكن تفاقم الجرب ليتحول إلى إلتهابات بالكلى وتلوث في الدم (بسبب الحكة التي تزرع جراثيم إضافية غير طفيل الجرب إلى داخل جسم المصاب). كل ذلك بسبب طفيل الجرب الذي ينخر الخنادق في جلد المصاب ليضع بويضاته وفضلاته مسبباً الأعراض المذكورة.
وقال آل قمبر والأخطر فيما يتعلق بوبائية الجرب قدرته على البقاء في جلود المصابين لمدة تصل إلى شهرين بدون أعراض، ومع ذلك ينقلونه للآخرين، بدون إكتشاف مصدره لخلوهم من الأعراض. وأضاف الدكتور آل قمبر أنه تم إستئصال الجرب من كثير من المجتمعات، ولكن لم نرى من الناحية العلمية أي إمكانية لإستئصال الزكام من أي مجتمع بشري. وبالتالي أصر الدكتور آل قمبر أن المقارنة بين الجرب والزكام غير علمية وليست مجدية في دعم جهود الدولة للقضاء على ظاهرة الجرب.
محذّرًا من مخاطر الجرب وقدرته على الإستيطان في المجتمعات البشرية، وبالتالي يمكن للمجتمع أن يظل موبوء بالجرب، طالما لم يتحلى أفراد المجتمع بالوعي والعادات المطلوبة وما لم تتعاون الجهات الخاصة والعامة مع أفراد المجتمع في مكافحته. وبالنسبة لما يلزم القيام به فوراً لمنع إنتشار الجرب لآلاف الحالات، قال آل قمبر: إنه لن يتم النجاح في درء إنتشار الجرب إلا عبر تقديم جرعة من دواء قاتل لمسبب الجرب (القارمة الجربية)، لجميع المصابين بالمرض والمخالطين لهم (جميع أفراد الأسرة والزملاء القريبين للمصاب)، وغسل كل ملابسهم وكنس وتغسيل كل أدواتهم الخاصة والأثاث والأماكن التي لامسوها خلال الثلاثة أيام السابقة لتشخيص المصاب، وشدد على أهمية أن يتم ذلك للمصاب ولجميع المخالطين له في نفس الوقت، وأن الأفضل أن يعطى العلاج بالتزامن مع التطهير والكنس لجميع الملابس والأثاث والأسطح الملوثة، ثم تقدم جرعة أُخرى بعد إسبوع أو 10 أيام للجميع، لضمان قتل فراخ الجرب الجديدة التي فقست من البويضات الموجودة في الجلد، والتي تستطيع غالباً البقاء على قيد الحياة بعد تعرضها للجرعة الأولى من الدواء، ثم يتم التأكد من الشفاء بعد شهرين من الجرعة الثانية للدواء، إذ غالباً ما تستمر الحكة حتى بعد العلاج لبضعة أسابيع. وأوضح إن ذلك يتطلب إخلاص القائمين على جهود مكافحة الأوبئة والعدوى والمختصين، وتقيد جميع أفراد المجتمع لاسيما المصابين وأسرهم والمخالطين لهم بهذه الإجراءات، وأن ذلك يتطلب متابعة المسؤولين المباشرة. وفي حال لم تتوفر الأدوية والتوعية والمراقبة لتطبيق ماتقدم، فتنبأ الدكتور محمد آل قمبر أن حالات الجرب ستتزايد بشكل سريع. وطالب بتثقيف الصيادلة والأطباء بالإجراءات المطلوبة وإلزامهم بإتباعها وتثقيف عملائهم من المرضى، لاسيما الصيدليات الخاصة التي غالباً لا توفر أدوية الجرب خلافاً لمقتضيات المصلحة العامة.
وخلص آل قمبر إلى أن أصعب ما يلزم لنجاح الجهود الرامية لإستئصال الجرب، هو الإقتناع بما تنص عليه كتب الطب من أن الجرب يعتبر من أمراض الفقر والإزدحام، وبالتالي مكافحته تتطلب جهود مجتمعية تكاملية لا تقتصر على تقديم العلاج للمصابين والمخالطين بالتزامن مع غسل ملابسهم وتنظيف أثاثهم وأماكن تواجدهم، بل تمتد لإنهاء ظواهر الإزدحام والفقر عبر دمج الجاليات والمهاجرين والفقراء للنسق الإجتماعي السليم السائد من ناحية بيئة المعيشة والحياة الكريمة، ومنع إكتظاظهم في أماكن محصورة مختتمًا أن على الجميع إستشعار المسئولية في مكافحة العدوى دون استهتار أو تهويل والتعامل بكل شفافية.